راجح: هذه الجمعيات تعمل وفق منهجية قائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة.

العنسي: بعد ثورة 21 سبتمبر شهدت الجمعيات تغيرًا في آليات تشكيلها.

الحاضري: من أعظم ثمار ثورة 21 سبتمبر هو الزراعة التعاقدية.

الحكيمي: ثورة 21 سبتمبر مثلت نقطة تحول محورية في تاريخ العمل التعاوني الزراعي باليمن.

الجمعيات التعاونية الزراعية… من هيمنة النافذين إلى شريك فاعل في خدمة المزارعين بعد ثورة 21 سبتمبر

استطلاع/ محمد حاتم:

شهدت الجمعيات التعاونية الزراعية في اليمن تحولات جذرية بعد ثورة 21 سبتمبر، إذ انتقلت من واقع مشوه خلال العقود الماضية حين كانت مجرد كيانات شكلية تنتظر دعم المنظمات، ويستحوذ عليها النافذون ويحرم المزارعون من خيراتها، إلى مؤسسات مجتمعية فاعلة تقدم خدمات حقيقية للمزارعين. فقد أصبحت هذه الجمعيات اليوم أداة للتنمية المستدامة، ورافعة للإنتاج المحلي، ووسيطًا مباشرًا يضمن وصول الدعم والخدمات الزراعية إلى من يستحقها من المزارعين، في تحول يعكس بوضوح التوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق يؤكد المهندس عادل راجح – رئيس دائرة الشؤون الزراعية بالاتحاد التعاوني الزراعي – أن الجمعيات التعاونية الزراعية تمثل إحدى أهم الركائز الاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في تحسين معيشة المواطنين، وتعزيز الترابط المجتمعي، وتوليد فرص العمل، فضلًا عن دورها في دعم الاقتصاد الوطني.

ويشير المهندس راجح إلى أن هذه الجمعيات قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م كانت موجودة كشبكة متنوعة في مختلف المديريات، تضم جمعيات متخصصة في إنتاج البذور والري وتجميع المحاصيل والتسويق، لكنها لم تقم بالدور المطلوب منها نتيجة اعتمادها شبه الكامل على دعم الدولة والمانحين. وأضاف أن معظم تلك الجمعيات توقفت بانتهاء الدعم، باستثناء قلة استطاعت أن تستمر وتؤدي رسالتها التنموية.

ويوضح رئيس دائرة الشؤون الزراعية أن مرحلة ما بعد الثورة شهدت تحولات جذرية، حيث كان التوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي والاهتمام بالقطاع الزراعي خيارًا استراتيجيًا، رغم التحديات الكبيرة التي فرضها العدوان منذ 2015م من تدمير للبنية التحتية الزراعية وارتفاع تكاليف المدخلات، إضافة إلى إعاقة وصول الخدمات الأساسية للمزارعين.

ويؤكد المهندس راجح أن الجمعيات التعاونية الزراعية تقدم اليوم العديد من الخدمات النوعية، أبرزها التنسيق مع الإرشاد الزراعي لإقامة المدارس الحقلية، وتوفير البذور المحسنة والمعدات الزراعية عبر القروض، وتوفير مادة الديزل للمزارعين، إضافة إلى إنشاء العيادات البيطرية، وتمكين المزارعين من استخدام الطاقة الشمسية. كما تسهم في تنمية المناطق الريفية عبر المبادرات المجتمعية لاستصلاح الأراضي وإصلاح البنية التحتية، وتشجع المزارعين على تربية نحل العسل وإنتاج الألبان، فضلًا عن دعمهم في تحسين معاملات ما بعد الحصاد وتنفيذ العقود الزراعية التعاقدية لتسويق منتجاتهم.

آليات جديدة

ومن جانبه، يؤكد إسماعيل العنسي – مختص في الدائرة التنظيمية بالاتحاد التعاوني الزراعي – أن ثورة 21 سبتمبر مثلت نقطة تحول محورية في واقع الجمعيات التعاونية الزراعية، حيث شهدت آليات تشكيلها تغيرات جوهرية انعكست في تأسيس (156) جمعية تعاونية متعددة الأغراض. ويشير إلى أن هذه العملية تبدأ بتدريب “فرسان التنمية” في المديريات من مختلف العزل، والذين بدورهم يعملون على نشر الوعي بأهمية الجمعيات التعاونية، وتعزيز ثقافة العمل المجتمعي والمبادرات الذاتية.

ويوضح العنسي أن اللجان التحضيرية التي تُشكل من جميع عزل المديريات تتولى مهام التوعية، وجمع المساهمات، وإعداد النظام الأساسي للجمعية، بالإضافة إلى التحضير لانتخابات الهيئة الإدارية. وبعد إشهار الجمعية، تقوم اللجنة التحضيرية بتقديم استقالتها لتتولى الهيئة الإدارية المنتخبة مهامها، من خلال توزيع الاختصاصات بين أعضائها، وإعداد اللوائح الإدارية والمالية والهيكل التنظيمي، إلى جانب صياغة الخطة الاستراتيجية.

كما يؤكد أن المرحلة الحالية تشهد تعيين مديرين تنفيذيين للجمعيات، يتولون إعداد الخطط التنفيذية المنبثقة من الخطط الاستراتيجية، والإشراف على الوحدات المتخصصة مثل وحدة الإنتاج النباتي، الإنتاج الحيواني، والتسويق، والإقراض.

ويضيف أن الجمعيات التعاونية الزراعية تسهم اليوم في تنفيذ مشاريع خدمية من خلال المبادرات المجتمعية، مثل شق الطرق، بناء المدارس، وإنشاء المراكز الصحية، فضلًا عن المبادرات الزراعية التي تدعم الإنتاج المحلي.

أما فيما يتعلق بالجمعيات الحضرية في أمانة العاصمة، فيوضح العنسي أن طبيعة البيئة التي تفتقر إلى الأراضي الزراعية فرضت وجود وحدات بديلة، حيث تركزت أنشطتها في مجالات التصنيع والتسويق بدلاً من وحدات الإنتاج النباتي والحيواني، بما يتلاءم مع خصوصية الواقع الحضري.

إدخال نظام الزراعة التعاقدية

بدوره، يؤكد نايف الحاضري – مختص في دائرة التسويق بالاتحاد التعاوني الزراعي – أن ثورة 21 سبتمبر جعلت التنمية المستدامة في طليعة أولوياتها، وذلك من خلال إشراك المجتمع في إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية، والتي يشير إلى أنها أصبحت المنفذ الحقيقي في المجتمع وحلقة الوصل بين المزارعين والتجار والشركات.

ويوضح الحاضري أن ما يُحسب لثورة 21 سبتمبر هو الدعم المباشر للمزارعين في مجال التسويق، حيث كان من أبرز ثمارها إدخال نظام الزراعة التعاقدية، الذي يُعد من الأساليب التسويقية الحديثة. ويؤكد أن هذا النظام يضمن استقرار الأسعار للمزارع، ويكفل بيع المحصول، إضافةً إلى توفير المدخلات الزراعية والدعم الفني.

كما يشير إلى أن الزراعة التعاقدية تدار عبر الجمعيات التعاونية الزراعية، والتي أسهمت في زيادة الإنتاج، وتحسين جودة المنتج، وتخفيض فاتورة الاستيراد، موضحًا أنه تم بالفعل إبرام عدة عقود في محاصيل استراتيجية مثل الذرة الشامية، البقوليات، التمور، المانجو، والبرتقال، وغيرها من المحاصيل.


مسيرة بناء وتغيير

وعلى ذات السياق، يؤكد المهندس مجيب الحكيمي، رئيس دائرة التخطيط والإحصاء بالاتحاد التعاوني الزراعي، أن ثورة 21 سبتمبر 2014م مثلت نقطة تحول محورية في تاريخ العمل التعاوني الزراعي باليمن، إذ أعادت الاعتبار لدور الجمعيات التعاونية باعتبارها الحاضنة الطبيعية للمزارعين، والنواة الأساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.

ويشير الحكيمي إلى أن القيادة الثورية والسياسية أسست مسارًا جديدًا للعمل، يعتمد على الشراكة المجتمعية والهوية الإيمانية والثقافة التعاونية، بهدف رفع الوعي وتنظيف الثقافات المغلوطة وتحويل التحديات إلى فرص، والإغاثة إلى تمكين، وصولاً إلى اكتفاء ذاتي يضمن الاستقلال والسيادة، ويؤسس لتنمية مستدامة تسهم في خلق الوظائف وحشد الموارد وتوليد الاستثمار وتعزيز الاقتصاد المجتمعي.

التطور الكمي والوظيفي للجمعيات بعد الثورة

ويبين الحكيمي أن عدد الجمعيات التي تم تأسيسها بعد ثورة 21 سبتمبر بلغ 156 جمعية تعاونية متعددة الأغراض في 156 مديرية، ويستمر العمل على استكمال بقية المديريات تباعًا، فيما بلغ عدد المساهمين حوالي 186,235 ألف مساهم، ورأس مال الجمعيات نحو 1,874,439,257 ريال.

ويشير الحكيمي إلى أن الاتحاد التعاوني الزراعي قام بدور فاعل في بناء القدرات التنظيمية والفنية للجمعيات، بالتعاون مع مؤسسة بنيان التنموية، حيث تم تدريب نحو 13,796 فارس تنمية، وتأهيل 1,598 عضوًا من الهيئات الإدارية والرقابية في 113 جمعية زراعية وسمكية، بما في ذلك: 71 محاسبًا ماليًا، 58 مديرًا تنفيذيًا، 161 عضوًا من وحدات الجمعيات، 392 باحثًا، 137 ضابط إقراض، و10 سكرتيرين.

المشاركة المجتمعية والبرامج التنموية

ويؤكد الحكيمي أن الجمعيات التعاونية تمثل الذراع التنفيذي للسلطة المحلية، مشيرًا إلى أن التعاون المثمر بينهما أفرز نتائج إيجابية وملموسة، تجلت في تنفيذ البرنامج التنموي المحلي التكميلي لعام 1446هـ في 50 مديرية، بالتعاون مع عدة وزارات ومؤسسات، حيث تم تنفيذ 19,785 مبادرة مجتمعية بتكلفة تقديرية 25,420,223,362 ريال يمني.

الزراعة التعاقدية ودعم المنتجات المحلية

ويوضح الحكيمي أن الجمعيات التعاونية حققت نجاحًا ملحوظًا في الزراعة التعاقدية، حيث تم توقيع 236 عقدًا مع التجار والشركات لسلاسل محاصيل منها القمح والثوم والتمور والبقوليات والذرة الشامية، بكمية 44,718 طنًا، بقيمة 15,019,442,223 ريال، ما ساهم في ضمان تسويق هذه المنتجات جزئيًا.

وأضاف الحكيمي أن الاتحاد التعاوني يعمل بالشراكة مع وزارة الزراعة والثروة السمكية على تحسين جودة المنتجات المحلية عبر سلاسل القيمة، ودعم برامج ما بعد الحصاد مثل القطف والتخزين والفرز والتجفيف، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

دعم صناعة الحليب ومشتقاته

ويشير الحكيمي إلى أنه تم إنتاج نحو 15,681,176 لترًا من الحليب تقريبًا خلال عام 2025 عبر الأسر المنتجة، ضمن الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الحليب ومشتقاته، بالتعاون مع الجمعيات التعاونية.

منقول من صحيفة اليمن الزراعية

الجمعيات التعاونية الزراعية… من هيمنة النافذين إلى شريك فاعل في خدمة المزارعين بعد ثورة 21 سبتمبر