
تربية النحل ثروة صنعت المجد للعسل اليمني
كتب: محمد العلوي
تتنفس اليمن الأرض والإنسان تاريخاً عريقاً، استطاع خلاله الإنسان اليمني على امتداد العصور التاريخية وإلى يومنا هذا التعايشَ مع تربية النحل في مختلف المناطق لتبقى شاهدة على ثروة طبيعية صنعت مجداً عالمياً من الشهرة للعسل اليمني، بجودته الفائقة وأنواعه المختلفة بتنوع البيئة النباتية والطبيعية، وبرز العسل كمحصول غذائي يمتد لآلاف السنين في اليمن.
إن الاحتفال باليوم العالمي لتربية النحل الذي يصادف الـ 20 مايو من كل عام يأتي لتسليط الضوء على دور النحل الذي لا يقتصر على إنتاج العسل، بل يشكل أهمية كبرى في الحفاظ على التوازن البيئي والأمن الغذائي للإنسان وهذا يتطلب بذل المزيد من الاهتمام والتوسعَ في تربية النحل وإكثاره والعمل على حمايته ليبقى رمزًا أصيلاً وتفرداً نوعياً في كل المناطق والمحافظات اليمنية.
وتبرز هذه المناسبةُ الهامة في تربية النحل كمحطة عالمية تتوقف عندها البشرية للتذكير بأهمية الحفاظ على هذه الثروة التي أولاها الله سبحانه وتعالى اهتماماً خاصاً حين أوحى إليها بأن “تتخذ من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون”، إذ تسهم بشكل منظم في تلقيح ما يقارب 75% من المحاصيل الزراعية وبدونها سيؤدي ذلك إلى اختلال النظام الغذائي للبشرية وفقاً للدراسات والأبحاث الدولية التي أُجريت على النحل، وهذا يبرز أهمية تربيتها وحمايتها من كل ما يهدد حياتها وبقاءها بيننا، الذي للأسف الشديد ظهرت مخاطر كارثية تسببت بإبادة جماعية لآلاف الخلايا من النحل في مشهد مؤلم يتكرر كل عام في مختلف المناطق.
وبرزت في مقدمة التهديدات التي تواجه خلايا النحل في بلادنا الاستخدام العشوائي للمبيدات الزراعية لأشجار القات، وحملات مكافحة الأوبئة، وغيرها من المحاصيل مما أدى إلى تدمير آلاف الخلايا، بالإضافة إلى ذلك فإن الاحتطاب الجائر للأشجار أسهم في تدمير البيئة الطبيعية والقضاء على التنوع النباتي، الذي يشكل المصدر الرئيسي لغذاء النحل، وانعكس ذلك سلباً على أعداد النحل وقلة إنتاج العسل.
في هذا اليوم العالمي نتوجه بالدعوة الصادقة إلى حكومة التغيير والبناء، وإلى مختلف الجهات المهتمة بالزراعة والجمعيات التعاونية وكل أبناء الوطن بأهمية الإدراك الواعي لإنقاذ النحل وحمايته فالحفاظ عليه يعني الحفاظ على التنوع الحيوي للمستقبل الغذائي، وثروة عطاء لا تنضب، باعتبار تربيته تراثاً أصيلاً لأبناء اليمن منذ آلاف السنين، فالعسل اليمني ليس مجرد سلعة تباع بل هو تاريخ عريق من الجودة ذاع صيته منذ القدم بين الشعوب والأمم.
كما لا ننسى في هذه المناسبة العالمية الخطواتِ المسؤولةَ التي اتخذها الاتحادُ التعاوني الزراعي عبر الجمعيات التعاونية الزراعية، ووزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، ووحدة إنتاج العسل في اللجنة الزراعية العليا، لإنقاذ الثروة النحلية وإيلائها الاهتمام خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك من خلال تدريب وتأهيل آلاف النحالين على تقنيات التربية الحديثة وإنشاء المحميات الطبيعية لإنتاج العسل الدوائي، وإقامة المدارس الحقلية، ورفع مستوى الوعي بأهمية تربية النحل وتحسين الغطاء النباتي، والحرص الشديد على أن تكون تغذيته طبيعية 100% حفاظاً على جودة المنتج المحلي من العسل اليمني وفق المواصفات ومعايير الجودة، وهذا من شأنه استعادة الثقة بهذا المنتج بين التجار والمواطنين عبر تنظيم المهرجانات التسويقية للبيع المباشر لعشرات الأطنان من مختلف أنواع العسل اليمني ذات الجودة العالية.
ختاماً.. لا يسعنا إلا أن نجدد التذكير للحكومة بأهمية تنفيذ تصريحات مسؤوليها على أرض الواقع للحد من استيراد العسل الأجنبي لتحفيز الهمم العالية للنحالين نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، كما نطالب بإلزام كبار التجار المحليين بشراء المنتج المحلي من العسل، بما يسهم في دعم وتشجيع النحالين على التوسع في تربية النحل، وكذلك فرض الرقابة المشددة على السوق المحلي لضبط المتلاعبين بجودة العسل اليمني واتخاذ العقوبات الرادعة بحقهم كجزءٍ من استعادة الثقة بالمنتج بين أبناء اليمن والخارج.