عبدالفتاح البنوس /
لا يمكن لأي دولة أن تنهض وتتطور في مختلف المجالات وهي تعتمد على الغير في توفير حاجياتها ومتطلباتها الأساسية وفي مقدمة ذلك الغذاء ، فمن يبحث عن التطور والتقدم والنهوض عليه أولا أن يشرع في تأمين غذائه وقوت شعبه ، ففي الأمثال الشعبية يتداول الآباء والأجداد المثل القائل ( الحرب حرب الموائد ) والمتابع للحروب والصراعات التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم يلمس فاعلية وأثر الحرب الاقتصادية ودورها في حسم الحروب العسكرية ، فمهما بلغت قدراتك وثرواتك وإمكانياتك وأنت لا تمتلك قوتك ولا تعتمد على نفسك في توفير غذائك ؛ فأنت في دائرة الاستهداف، وأنت أضعف من القش ، ولن تصمد لو تعرضت لحصار أو ما شابه ، وسرعان ما سترفع الراية البيضاء ، وتعلن الاستسلام للعدو الذي بيده مصيرك ويتحكم في لقمة عيشك ، ويمتلك كل أدوات تركيعك وإخضاعك وإذلالك.. على مر التاريخ لم تشهد أي دولة نموا أو تطورا دون أن تكون معتمدة على نفسها في تأمين غذائها ومكتفية ذاتيا في هذا الجانب ، وانطلاقا في هذا المسار جاءت توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والقيادة السياسية ممثلة بالرئيس مهدي المشاط بإيلاء الجانب الزراعي العناية والاهتمام الخاص ، والحث على التوسع في النشاط الزراعي على طريق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والخضروات والمحاصيل النقدية ، حيث تضمن مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة العديد من المحاور والأهداف التي تصب في هذا الجانب ، وبدأت الدولة تتجه عمليا نحو ترجمة توجيهات القيادة على أرض الواقع من خلال استصلاح وزراعة الأراضي والتوسع في زراعة القمح وتشجيع المزارعين على ذلك وإزالة العقبات والعراقيل التي كانت تواجههم وتقديم العون لهم في حدود الإمكانيات المتاحة.. حيث بدأت المؤسسة العامة لإنتاج الحبوب بخطوات عملية في هذا الجانب ، وبنفس الوتيرة تعمل العديد من المنظمات والمؤسسات الوطنية ذات الصلة بالجوانب التنموية في تبني ورعاية المشاريع الصغيرة المرتبطة بالنشاط الزراعي ، كل ذلك في ظل تعقيدات العدوان والحصار وتداعياتهما الكارثية على مختلف القطاعات وفي مقدمتها القطاع الزراعي ، لكن العزيمة والإرادة اليمنية القوية والصلبة والرغبة الصادقة في تحقيق النهضة الزراعية بغية الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي كانت بفضل الله وعونه أقوى من الصعاب والعراقيل وعملت على تجاوزها ، والمطلوب اليوم هو مضاعفة الجهود والعمل على زراعة كافة الأراضي المملوكة للدولة بمختلف هيئاتها ومكوناتها كخطوة أولى ، خصوصا أن هنالك مساحات شاسعة منها غير مستغلة حتى اللحظة ، ومن ثم تتجه الجهود نحو خلق شراكة مجتمعية مع المواطنين لاستصلاح وزراعة أراضيهم غير المستغلة ومنحهم التسهيلات والامتيازات اللازمة التي تشجعهم على الزراعة وفي مقدمتها تأمين تسويق منتجاتهم لضمان عدم تعرضها للبوار وتكبدهم الخسائر والأضرار التي في الغالب تشكل السبب الرئيسي في عزوف الكثيرين منهم عن مواصلة نشاطهم الزراعي والاتجاه نحو زراعة القات . بالمختصر المفيد، الخطوة الأولى لبناء الدولة تكمن في العمل على الاكتفاء الذاتي في الجانب الزراعي ، وهذا يتطلب القيام بثورة زراعية شاملة تتشارك فيها الجهود الرسمية والشعبية ، ومن أجل ذلك يجب منع البناء والمخططات العمرانية في القيعان الزراعية واتخاذ إجراءات صارمة في حق المخالفين ، والعمل على تقديم التسهيلات للمزارعين وتشجيعهم على اقتلاع أشجار القات والاتجاه نحو زراعة الحبوب والخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية ، والتوسع في بناء وتشييد السدود والحواجز المائية لتغذية المياه الجوفية والعمل على منع استيراد الحبوب والخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية من الخارج فور توفر ما يغطي حاجة الاستهلاك والطلب المحلي منها ، كل ذلك سيثمر نجاحا ويحقق النهضة الزراعية المنشود