محصول المانجو: مورد اقتصادي هام وثروة وطنية مهدورة

يُعد محصول المانجو فاكهة غاية في الأهمية، حيث تشتهر اليمن بزراعتها في عدة محافظات وبمختلف الأصناف التي تتميز بطعمها الفريد، ما جعلها ذائعة الصيت لدى سكان الدول المجاورة التي تصدر إليها. 

وتنتشر زراعة المانجو في اليمن بشكل كبير وبأصناف متعددة، فمن قلب الثور إلى السمكة، والسوداني إلى الزبدة، والصنف المرغوب والمحبب للجميع صنف التيمور، وأصناف ذات جودة عالية تجود بها الأراضي الزراعية اليمنية في تهامة وحجة ولحج وأبين وتعز والمحويت، وجميعها عوامل تجعل من زراعة المانجو وتنظيم تسويقه وتصديده كمورد هام في التنمية الاقتصادية، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي. 

الإعلام التعاوني الزراعي – استطلاع – محمد أحمد:

*البداية كانت مع المزارع محمد سالم جعران والذي تحدث بالقول:” إن مزارعي المانجو يتكبدون الكثير من الخسائر المتتالية نتيجة الاستغلال والفوضى التي أصبحت سائدة في السوق”. 

وأضاف:” أسعار محصول المانجو لا تغطي كلفة الإنتاج، وأن مهنة الزراعة قد تعرّضت لاختراق من قِبل من لا يهمهم سوى جني الأرباح على حساب المزارعين والوطن، حيث يتنافس المصدرون في الأسواق الخارجية على خفض الأسعار إلى أدنى مستوى لطرد المنافسين، وهو ما انعكس سلبًا على دخل المزارعين، الذين أصبحوا الحلقة الأضعف في سلسلة التسويق الزراعي”.

وأشار جعران إلى أن غياب الدور الفاعل للجهات الرسمية والمعنية، وعدم تفعيل دور المؤسسات الرقابية ذات الصلة كان السبب الرئيس في “إهدار ثروة وطنية” ممكن أن تكون مورداً اقتصادياً لرفد الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أنه رغم أهمية زراعة المانجو كمورد اقتصادي هام إلا أن مردوده كمصدر دخل على المزارع يعد قليلاً جداً. 

 وأوضح أن متوسط سعر السلة التيمور الأكثر جودة، بلغ حوالي 5000 ريال فقط، وهو مبلغ لا يغطي تكلفة الإنتاج، أما بقية الأنواع فأسعارها أقل بكثير، محذراً من أنه إذا استمر هذا الانهيار في الأسعار، فسيضطر إلى استبدال زراعة المانجو بمحاصيل أقل تكلفة أو كما قال. 

ويطالب بسرعة فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية اليمنية، وتنظيم تسويقها وتصديرها بالشكل الصحيح وبما يخدم الاقتصاد الوطني وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، بدلًا من حصر الصادرات في الأسواق المجاورة التي يتم فيها استغلال المنتج اليمني. 

بحاجة إلى الاهتمام

*من جانبه تطرق المزارع والمصدر الزراعي علي أبو طالب الراجحي، أن زراعة المانجو ليست كغيرها من الزراعات الموسمية البسيطة، بل تحتاج إلى سنوات من العناية والجهد قبل أن تثمر، مضيفاً: “بدأتُ زراعة المانجو منذ عام 1998، بينما عملتُ في مجال تسويق وتصدير المنتجات الزراعية منذ عام 1980، داخل اليمن وخارجها”. 

ويشير إلى أن شجرة المانجو تحتاج ما لا يقل عن أربع سنوات حتى تبدأ في الإنتاج، وهي عرضة للعديد من الأمراض مثل الذبابة والتربس وتساقط الأوراق، مما يؤثر سلباً على نمو الأشجار وجودة المحصول.

ولفت إلى أن ما يُزرع حاليًا من أصناف المانجو في اليمن لا يؤهل البلاد لتكون من الدول المصدّرة لهذه الفاكهة كمورد اقتصادي وتجاري حقيقي، إلا في حال تم التركيز على الأصناف العالمية المطلوبة في الأسواق الخارجية، مثل: التيمور ألفونس، تاتشر، تومي، اتكينز، والهندي الملكي، مضيفًا: “السوق المحلي يعتمد على أصناف مثل الزبدة والسوداني، لكن هذه الأنواع ليست مناسبة للتصنيع أو التصدير، خاصة أن معظمها يحتوي على بذور كبيرة ولبّ قليل”.

ويرى الراجحي أن النهوض بزراعة المانجو يتطلب تقسيم الإنتاج إلى أربع مسارات هي: التصدير، السوق المحلي، التخزين، والتصنيع (تعليب وعصائر)، مبينًا أن الأصناف التصنيعية يجب أن تكون ذات حجم كبير وبذور صغيرة ونسبة لب عالية، مثل: قلب الثور، البمباي، السمكة، والصنف المعروف محليًا بساحلي أكثر لبًا.

ويتفق الراجحي مع جعران في غياب الاهتمام الحكومي بزراعة المانجو، مشيرًا إلى أن المزارعين يعانون من الإهمال والتهميش، في ظل غياب الكفاءات المؤهلة في المؤسسات الرسمية، مضيفًا أن مسؤولية تأخر فتح المنافذ لتصدير المنتجات الزراعية تقع على الجهات المختصة.

وفرة في المنتج 

من جهته قال التاجر والمصدر صدام الشرع: إنه مع توجه الدولة الصادق في العام 2020م لدعم الزراعة والتسويق الزراعي، قائلاً: “بدأنا طريق الكفاح بتغليف وتحسين المنتجات المحلية بطريقة جديدة ونادرة، حيث قمنا بتعبئة التفاح والمانجو في الفلين، كل كيلو ونصف”.

ويشير في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” إلى أنهم بعد ذلك قاموا بتأسيس شركة تصدير في العام 2021م، ومن ثم قاموا بتشغيل مصنع باجل لصناعة المواد الغذائية، مرحلة ركود إصابة تجارة المانجو، مواصلاً: ثم بعد ذلك شهد السوق انتعاشاً، بعد تسويق ناجح للمنتجات وتغليفها بطريقة تسويقية في العام 2022. 

ويوضح أن عملية الشراء تختلف من فترة إلى أخرى ما بين شراء مزارع أو حمولات سلة مانجو، لافتاً إلى أن تاجر جملة يقوم بالبيع بالتجزئة، وأنهم قاموا بفتح معرض للمانجو لربط المزارع بالمستهلك مباشرة، وأن أفضل الأصناف هو الترنجيلة رغم عدم شهرته. 

ويضيف أنهم يقومون بالتصدير إلى الخارج بكميات كبيرة نظراً لوفرة المنتج إلى السعودية والإمارات والكويت وعُمان، مشيراً إلى أنهم تكبدوا بعض الخسائر نتيجة الهبوط في أسعار كرتون المانجو على مستوى الخارج من 20 ريالاً إلى 12 ريالاً، إلى جانب ارتفاع أسعار إيجار البراد بشكل جنوني. 

ويصف الظروف الحالية لأسواق المانجو وتجارته بالصعبة والهبوط الحاد في عملية الشراء من قبل المستهلكين، وقيام بعض التجار بتوقيف التصدير خوفاً من المجازفة في هذه الظروف القائمة والتي تمر بها البلاد. 

دور الإتحاد التعاوني الزراعي 

وعن دور الاتحاد التعاوني الزراعي في تنظيم تسويق وتصدير منتج المانجو، يقول رئيس دائرة التسويق بالاتحاد التعاوني الزراعي بكيل طاهر: إن من مهامهم الرئيسة تنظيم التسويق الداخلي من خلال تقديم المقترحات التسويقية لتصنيف المنتجات والرقابة عليها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وكذلك إعداد دراسات تتناول الهوامش التسويقية بصورة دورية.

ويرى أن تنمية الصادرات عبر توفير الدعم والإسناد الفني والتنظيم لسلاسل القيمة، وكذلك تقديم العديد من التسهيلات لمصدري المانجو وغيرها من المهام التي عمل الاتحاد عليها، مثل توفير الدعم في مجال تنمية الصادرات لمنتج المانجو بالتنسيق مع الجهات المعنية، إلى جانب اعتماد مراكز صادرات نموذجية، وعمل إعادة تأهيل مراكز الصادرات التابعة للاتحاد.

ويتابع حديثه: “هناك مشروع الزراعة التعاقدية، حيث نقوم بإعداد قاعدة بيانات تشمل المنتجين، والإشراف على توقيع العقود بين الجمعيات والتجار المستوردين بالتنسيق مع وحدة الزراعة التعاقدية في وزارة الزراعة”. 

ويواصل: “كما نقوم بتصنيع فائض الإنتاج عبر التنسيق مع وزارة الزراعة ووزارة الصناعة والتجارة والمصانع التحويلية مثل مصنع باجل، وإيجاد حلول لتصريف الفائض من المنتج في الأسواق الداخلية، مبيناً أنه تم التنسيق لتصنيع 10 آلاف طن من المانجو خلال فترة الموسم الحالي 1446 هـ.

ويركز على الترويج للمنتج من خلال رعاية وإقامة المهرجان الأول للمانجو بمشاركة الجمعيات التعاونية الزراعية المنتجة، وكذلك المشاركة في تدشين موسم الإنتاج للمنتج في عدد من الجمعيات، وإرسال عينات من المنتج إلى عدد من الأسواق الخارجية بالتعاون مع الجمعيات، وأيضاً إعداد قائمة بالمصدرين ومراكز الصادرات الزراعية للمانجو، وكذلك تفعيل دور الإرشاد التسويقي من خلال إعداد المحتوى للمواد الإرشادية كبروشورات، وغيرها من المهام الأخرى. 

دور إدارة التجارة والتسويق بالوزارة

كم تحدث نائب مدير إدارة التسويق والتجارة الزراعية علي الهارب: أن إدارة التسويق تقوم بتنظيم الأسواق والتنسيق بين المنتجين والتجار، حيث تعمل الإدارة على التنسيق بين المزارعين والمشترين وتوفير قنوات تسويق واضحة ومنظمة، لتقليل الاعتماد على الوسطاء الذين يضرون أحياناً بمصلحة المزارع.

ويواصل في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” أننا نقوم بتوفير المعلومات التسويقية من خلال جمع وتحليل البيانات المتعلقة بإنتاج وأسعار المانجو في الأسواق المحلية، ثم تزويد المسوقين والمنتجين بها لمساعدتهم في اتخاذ قرارات تسويقية أفضل. 

ويتابع حديثه: “كما نعمل على تحسين جودة التعبئة والتغليف وفتح أسواق جديدة، مشيرًا إلى نجاحهم في ربط المنتجين بالأسواق المركزية داخل البلاد، وفتح أسواق جديدة في الخارج وزيادة كميات الصادر”. 

ويزيد: “كما نعمل على تدريب وبناء القدرات للمزارعين وكل من له علاقة بهذا الموضوع، إلى جانب توجيه المسوقين والوكلاء في الأسواق لتخزين كميات كبيرة من المنتج وتهيئة مخازن التبريد لاستيعاب أكبر كميات ممكنة، وهذا سوف يساهم في توفير المحصول لفترة أطول”. 

مردود اقتصادي هام 

ويُعد محصول المانجو من أبرز المنتجات الزراعية في اليمن، حيث يسهم بشكل كبير في دخل المزارعين المحليين ويُشكل فرصة اقتصادية واعدة. إلا أن غياب البنية التحتية المناسبة للتخزين والتبريد يؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من الإنتاج بعد الحصاد، مما يقلل من جودة المنتج ويحد من قدرته على المنافسة في الأسواق. 

ويؤكد الهارب على أهمية محصول البن كمورد اقتصادي من خلال تهيئة البيئة الاستثمارية، موضحًا أن الإدارة تقوم بجمع وتحليل البيانات المتعلقة بالإنتاج السنوي لمحصول المانجو في مختلف المناطق الزراعية، وذلك بالتنسيق مع قطاع الإنتاج الزراعي والإدارة العامة للإحصاء الزراعي، وتوفيرها للمستثمرين والمهتمين، وكذلك التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتسهيل الإجراءات اللازمة للحصول على التراخيص والأراضي المخصصة لإقامة المشاريع الاستثمارية في مجال التخزين والتبريد.

ويشدد على أهمية تقديم الحوافز والتسهيلات عبر منح تسهيلات وإعفاءات جمركية وضريبية للمستثمرين الراغبين في تنفيذ مشاريع مخازن مبردة، مضيفًا: “نعمل على التوعية والترويج للاستثمار بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الاقتصاد، وقد تم تنفيذ ورش عمل وندوات تعريفية لتعريف رجال الأعمال والمستثمرين بأهمية التخزين المبرد وأثره الاقتصادي الإيجابي.”

توطين صناعة المانجو 

وحول توطين صناعة المانجو، يوضّح المهندس الهارب أن صناعة المانجو لا تعني فقط زراعة المحصول، بل تعني التنمية المستدامة وتشمل سلسلة القيمة الكاملة، بدءًا من الزراعة والتجميع، مرورًا بالتعبئة والتغليف، وانتهاءً بالتصنيع والتسويق. 

ويُوضح أن أهمية توطين هذه الصناعة تكمن في عدة جوانب استراتيجية، أهمها: تعزيز الاقتصاد المحلي، خلق فرص عمل، تقليل الفاقد بعد الحصاد، تطوير سلاسل القيمة الزراعية، مواصلًا: تعزيز الأمن الغذائي، ودعم التوجه نحو التنمية المستدامة. 

توطين صناعة المانجو يمثل ركيزة أساسية لتحويل الزراعة من نشاط معيشي إلى نشاط اقتصادي متكامل، يُمكن أن يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في اليمن.

نقلا عن صحيفة اليمن الزراعية

محصول المانجو: مورد اقتصادي هام وثروة وطنية مهدورة
  • 330 views
  • تم النشر في:

    بانوراما