محصول التمور في اليمن: نقلات نوعية في مسارات التسويق بآليات الزراعة التعاقدية

تحتل ثمار النخيل (التمور) الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كونها محصولا غذائيا ذا قيمة غذائية مرتفعة، وتعتبر كذلك مصدراً هاماً لدخل صغار المزارعين والأسر الريفية الذين يعتمدون على منتجاتها المختلفة في تحسين وضعهم المعيشي،

كما أنها تساهم في تأمين المدخلات المهمة للصناعات الغذائية والحرف اليدوية مثل توفير منتجات ثانوية مفيدة في بناء المنازل والأسقف من السعف وصنع أدوات منزلية مختلفة.. وفي 2016م، قدرت المنظمة العربية لتنمية الزراعة، المساحة المزروعة من شجرة النخيل في الوطن العربي بحوالي 912ألف هكتار بإنتاجية بلغت حوالي 394ألف طن، وبقيمة إجمالية بلغت 250مليون دولار.
ويعتبر كتاب الاحصاء الصادر عن وزارة الزراعة والري في العام 2021م، التمور في اليمن من أهم محاصيل الفاكهة بعد المانجو، حيث احتلت زراعة أشجار النخيل 13,848 هكتارا من إجمالي الأراضي المزروعة بأشجار الفاكهة في اليمن 88,832 هكتارا.

يحيى الربيعي
وتتركز زراعة النخيل في اليمن في محافظات الحديدة والجوف وحضرموت، حيث يوجد فيها أكثر من 67% من نخيل التمور في الجهورية اليمنية، وتقدر كميات إنتاجها بحوالي 48,168 طناً سنويا (كتاب الإحصاء- مصدر سابق).
وتحتوي العديد من أنواع التمور على نسب مرتفعة من العناصر الغذائية الهامة، مثل السكريات والفيتامينات وكذلك الأملاح المعدنية، هذه العناصر الغذائية يمكن استخلاصها من ثمار التمور. وتتميز التمور في اليمن بجودتها العالية، على غرار تهامة والجوف. وبالتالي برزت الأهمية في استغلال هذا المورد الوطني الهام والاستثمار سواء على مستوى التوسع في زراعته وتنمية وتحسين الجودة بالطرق والوسائل الحديثة في العمليات الزراعية وتحسين معاملات من بعد الحصاد وإنشاء معامل للتغليف والتعبئة الحديثة.
للاطلاع على آخر التطورات في مسار الوصول إلى الغاية، أجرت الصحيفة استطلاعا للرأي حول الخطوات التي يتم تنفيذها على الواقع من قبل بعض الجهات المعنية بالثورة الزراعية، فإلى التفاصيل:
في البداية، أوضح الأمين العام للاتحاد التعاوني الزراعي، المهندس محمد مطهر القحوم: نعمل في الاتحاد التعاوني الزراعي- بالتنسيق مع شركاء التنمية، وعبر الجمعيات التعاونية الزراعية- على رفع مستوى الوعي والإرشاد لدى المزارعين؛ وحاليا يتم تنفيذ برنامج زيارات توعوية ميدانية إلى مناطق زراعة النخيل بتهامة في مديريات الدريهمي وبيت الفقيه والتحيتا بمحافظة الحديدة وفي مديرية خب الشعف في الجوف والمديريات الواعدة في المحافظة.
وأضاف: “يركز برنامج التوعية على التعريف بمشروع (توطين منتج التمور)، وشرح أفضل الطرق لعمليات ما بعد الحصاد لمحصول التمور كالفرز والتحقيق والتعبئة وأهمية ذلك لتقليل الفاقد وتحسين السعر، وتشمل- أيضا- توعية المزارعين بكيفية تحسين الطرق التقليدية للتجفيف، كما يتم الاطلاع على آلية تداول التمور في الأسواق والأسعار والعبوات ومناقشة المشاكل والصعوبات التي يعاني منها المزارعون أثناء تسويق التمور”.
وتابع: “نقوم بدعم ومساندة الجمعيات- أيضا- في تفقد مزارعي النخيل والاطلاع على مواقع الفرز والتدريج والتعبئة للتمور الخضراء ومواقع التجفيف لدى المزارعين وتوضيح كيفية استبدال الممارسات الخاطئة بالطرق السليمة للتجفيف وبيان أهمية ذلك في تحسين جودة المنتج، كما يتم الاشراف على مراكز تجميع التمور المجففة التابعة للجمعيات الزراعية، والتأكد من اتباع آلية التجميع، والتي يتم فيها جمع التمور المجففة درجة أولى، ومن ثم تقوم الجمعية ببيعها للتجار بسعر متفق عليه للكيلو جرام درجة أولى، وآخر للدرجة الثانية”.

تراجع الاستيراد
فيما أوضح نائب مدير عام التسويق والتجارة الزراعية بوزارة الزراعة والري، علي الهارب أن الزراعة التعاقدية في مجال التمور بدأت قبل فترة وأن هناك توجها لتطوير آلياتها، والاستفادة منها في كيفية إدارة فاتورة الاستيراد، مشيرا إلى أن فاتورة استيراد اليمن من التمور تراجعت من 49.228طنا في العام 2022م إلى 24.002 أطنان في العام 2024م، مشيرا إلى نسبة شراء المنتج المحلي تحتل 20% من الكمية المستوردة.
وقال: تتركز رؤية وزارة الزراعة والري حاليا في العمل على كيفية تنمية القطاع الزراعي والوصول بالإنتاج الزراعي إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والاتجاه نحو خفض فاتورة الاستيراد من المنتجات الزراعية والعمل على توطين الصناعات التحويلية وتعزيز الصناعات الغذائية المحلية، وصولا إلى تحقيق نمو اقتصادي سريع في زيادة الإنتاج الزراعي وصناعاته التحويلية ودعم وحماية المنتج المحلي وتنميته وأيضا دعم صادرات المنتجات الزراعية المحلية إلى الخارج.

عقود زراعية
من جانبه، أوضح ضابط سلسلة التمور باللجنة الزراعية والسمكية العليا عبدالرحمن هزاع، أن تتابع معاينة مطابقة الكميات المنتجة لمعايير وشروط العقود المبرمة بين التجار والجمعيات الزراعية وتقييم مدى التزام الجمعيات والمزارعين، يأتي في إطار اهتمام شركاء التنمية بأهمية تحسين جودة المنتج من خلال مساندة الجمعيات التعاونية ومزارعي التمور واستيعاب منتجاتهم لدى التجار والمستوردين عبر الجمعيات، ويهدف إلى تعزيز مكانة المنتج على مسار تحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض فاتورة الاستيراد.
مشيرا إلى أنه تم توقيع عقود مع حوالي 600 مزارع في مديريات المنتجة للتمور في تهامة وهي بيت الفقيه والتحيتا والدريهمي بما يقارب 5,500 طن، ويجري التنسيق لتوقيع عقود مع جمعيات ومزارعي الجوف لتسويق 500 طن من تمور الجوف.
مشيرا إلى أن توقيع هذه العقود يعد ثمرة من ثمار مخرجات ورشة عقدت في صنعاء، نظمها الاتحاد التعاوني الزراعي والبرنامج الوطني لتحسين وتطوير سلاسل القيمة للمحاصيل الزراعي بالشراكة مع الإدارة العامة للتسويق والتجارة الزراعية ومؤسسة بنيان التنموية تحت إشراف اللجنة الزراعية والسمكية العليا، هدفت إلى التعريف بالمنتج المحلي للتمور في محافظتي الحديدة والجوف، وخلق علاقة بين الجمعيات والمزارعين والتجار المستوردين والمصنعين للتمور، وتنفيذ عقود الزراعة التعاقدية، والعمل على تنمية المنتج المحلي بما يؤهل ليحل عن المستورد وصولا إلى الاكتفاء الذاتي.
ولفت هزاع إلى أن العمل يسري وفق مسارات آلية توريد الكميات المقرة من جميع الأطراف الموقعة، والتي تبدأ بقيام المزارعين بالتسليم إلى مراكز التجميع الخاصة بالجمعيات ومن ثم يجري التسليم إلى التجار عبر الشركة اليمنية لصناعة وتعبئة التمور، والتي تتولى استلام المنتجات من الجمعيات ومطابقتها بالمواصفات المتعاقد عليها، ومن ثم تحويل القيمة إلى حسابات الجمعيات ومنها إلى المزارعين.

نتائج مبهرة
وعن تجار التمور في اليمن، أكد التاجر فتحي المطري، استعدادهم التام في التحول إلى اقتناء التمور المحلية، قائلا: نشارك في كل اللجان والمؤتمرات والاجتماعات والورش التي يتم فيها طرح موضوع خفض فاتورة الاستيراد وتحويل القيمة نحو المنتج المحلي، وأبدى تفاؤله بما تسفر عنه الخطوات العملية على أرض الواقع من ثمار ونتائج مبهرة تصب في مسار خفض الفاتورة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي من المنتجات الزراعية اليمنية.

تطوير الأداء
بدورهم، يقول رئيس جمعية الدريهمي التعاونية الزراعية، جابر كيال، ورئيس جمعية بيت الفقيه التعاونية، عبدالسلام محمد، ورئيس جمعية التحيتا التعاونية الزراعية، عبدالله عبده عطيفي: نعول كثيرا على دور القطاع الخاص في دعم المزارعين والاسهام في خدمة آلية التوسع في رقعة زراعة النخيل باعتباره من المحاصيل الاستراتيجية له دور في مجال الأمن الغذائي تكمن في التشجيع على زراعة النخيل من خلال تسويق التمور، وإعطاء فرصة للمستثمرين والمجتمع في التعرف على المشروع الاستثماري والمناطق الزراعية لمحاصيل التمور في اليمن.

ويشير ثلاثتهم بالتوافق مع رئيس جمعية خب الشعف التعاونية الزراعية، منصور علي صالح صقار إلى أن الاتحاد التعاوني الزراعي بات يشكل نافذة دعم وتشجيع وتحفيز واسعة النطاق من خلال قيامه بالعمل على مساندة الجمعية في تطوير قدرات الهيئة الإدارية على تطوير أداء دورها في تحقيق النهوض بالحركة التعاونية وتعزيز اسهاماتها الفعالة في الإنتاج الزراعي والتنمية المجتمعية من خلال رفع مستوى وعي وكفاءة المزارعين وتوفير الخدمات والتسهيلات الضرورية لتمكينهم من حيازة واستخدام التقنيات والوسائل الزراعية الحديثة الكفيلة بتحسين الإنتاج كماً ونوعاً، كما يساهم الاتحاد في مساندة الجمعية من خلال تعزيز تكامل الجهود الشعبية والرسمية والجهات المعنية بالعمل التعاوني والتسويق في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية والجهات المحلية والخارجية ذات الصلة بمقومات النهوض بالقطاع الزراعي من أجل تجسيد مساهمة العمل التعاوني في خلق أجواء مناسبة لتنمية مستدامة ومتكاملة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي للمواطن.
وأوضحوا “تعرضت زراعة النخيل كغيرها من المحاصيل للإهمال من الجهات الرسمية خلال العقود السابقة لثورة الـ 21 من سبتمبر، حيث كانت لوبيات المصالح الداخلية والخارجية تحرص على تغييب المنتجات المحلية بإغراق السوق المحلي بالأصناف والجودة المتعددة من المنتجات الأجنبية، ما أضر بالمزارع المحلي وجعله يهمل زراعة النخيل والزراعة بشكل عام ويتجه إلى ممارسة أعمال أخرى.
الآن، وفي ظل توجيهات القيادة الثورية والسياسية، صار هناك اهتمام كبير وعناية فائقة من قبل اللجنة الزراعية والسمكية ووزارة الإدارة المحلية والزارعة والري والسلطات المحلية في المحافظة والمديريات”.
ويضيف صقار “تمتاز الجوف وخاصة في مديرية خف الشعف، منذ القدم بزراعة أصناف أشجار النحيل البلدي كالتمر الأبيض الفاخر وكذلك الأحمر، والمشكل والغيس، والنوع البلدي يخضع لعملية تجفيف، ويباع في السوق كتمر مجفف، وتوجد منه أنواع قابلة للكبس والتغليف وتم ادخال الكثير من الأصناف عبر السعودية مثل الصكعي، البرحي، النبوت، والسكري، ويحتل صنف الصكعي المساحة الإنتاجية الأكبر، فيما يقوم المزارعون بإكثار الأصناف الأخرى، والتي لا تزال في طور التكاثر، ومنها ما صار ينتج حاليا”.
واسترسل “الاهتمام الرسمي والشعبي بالزراعة، أعاد المزارعين إلى العناية بمزارعهم، فقاموا بإعادة تأهيلها للإنتاج من جديد بعد أن كانت معظم أشجار قد تخلفت عن الإنتاج بسبب غياب الاهتمام، وبات اغلب المزارعين الآن يعمل على توسيع المساحة الزراعية لأشجار النخيل، ونقدر نقيس الأثر من خلال الفارق الكبير الذي حصل في كميات التمور الداخلة إلى السوق المحلية، والتي باتت تتجاوز 1500 طن سنويا، بزيادة متحققة تفوق نسبتها 50% عما كان يدخل منها للسوق المحلية. ومن المتوقع أن تتضاعف كمية الإنتاج خلال السنوات القادمة.

نقل الخبرات
منسق محافظة الجوف بمؤسسة بنيان التنموية، محمد الزبيري، بدوره، أشار إلى أن الجوف تتمتع بأرض صحراوية مناسبة جدًا للتوسع في زراعة النخيل، بالإضافة إلى قدرتها على دعم جميع أنواع المحاصيل الزراعية التي تسهم في تنمية الاقتصاد وتشجيع الإنتاج المحلي والوصول إلى الأسواق المحلية والخارجية.
وأوضح أن مزارعي النخيل بالمديرية توجهوا بشكل كبير إلى زراعة عدد من أصناف النخيل ذات الجودة العالية والانتاجية الوفيرة ولوحظ اهتمام كبير بالنخيل خلال هذه الفترة من قبل المزارعين، خاصة بعد أن تم شراء محصولهم العام الماضي بأسعار مشجعة دفعتهم للتوسع والاهتمام حيث سيسهم هذا المحصول في رفد السوق بمنتجات محلية وتقليص الاستيراد، ورفد اقتصاد البلد.
لافتا إلى أن مديرية خب والشعف هي حاليا من تمتلك عددا من مزارع النخيل القادرة على الإنتاج التسويقي، فيما لاتزال زراعة النخيل في الكثير من المديريات في المحافظة في طور الإنتاج التجريبي.
مشيرا إلى أهمية تبادل الزيارات الإرشادية بين مزارعي النخيل في منطقة تهامة والجوف للاطلاع على نسبة التوسع في زراعة التمور في تهامة ونقل التجارب والطرق الحديثة حول نسب الإنتاجية وطرق السقي، وطرق تجهيز وتجفيف محاصيل التمور، وكيفية إكثار الفسايل ونقلها بطرق سليمة، ليستفيد منها مزارعو النخيل في محافظة الجوف.

من مخاض الاهتمام
على الصعيد ذاته، ناقش بصنعاء اجتماع برئاسة وزير الصناعة والتجارة بحكومة تصريف الأعمال محمد شرف المطهر، آليات التعاون والتنسيق بين مزارعي التمور ومعامل ومصانع التعبئة والتغليف ودعم إنتاج التمور المحلية، وذلك ضمن الأولويات التي تعمل عليها وزارة الصناعة بالتعاون مع شركاء (التنمية) والجهات المعنية على المستويين الرسمي والمجتمعي.
وأوصى الاجتماع بأهمية وضع خطة عمل مشتركة بين وزارتي الصناعة والزراعة والمزارعين ومعامل ومصانع تعبئة وتغليف التمور لتنمية الإنتاج المحلي وزيادة حصة التمور اليمنية في الأسواق المحلية، وتقديم أوجه الدعم والتسهيلات لدعم الإنتاج المحلي من التمور.
وفي تطور لاحق، أقر اجتماع للجنة الوزارية المشكلة من وزارتي الصناعة والتجارة والزراعة والري وتجار التمور وممثلي معامل ومصانع تعبئة وتغليف التمور، وضع مصفوفة عمل تنفيذية مزّمنة لمعالجة التحديات والمعوقات التي تواجه مزارعي التمور بما يضمن تطوير زراعة وإنتاج التمور وتقديم الدعم لمعامل إنتاج وتغليف التمور وتطوير آلية التسويق بهدف زيادة حصة السوق المحلي.
وحرصت التوصيات أن يمتاز المنتج المحلي من التمور بجودة عالية ووفق سلسلة إجراءات وخطوات تبدأ من توعية المزارعين للإنتاج بكميات اقتصادية وصولاً إلى عملية التسويق لكسب ثقة المستهلك بالمنتج المحلي.

محصول التمور في اليمن: نقلات نوعية في مسارات التسويق بآليات الزراعة التعاقدية
  • 718 views
  • تم النشر في:

    بانوراما