معضلة التسويق بين فائض الإنتاج وغياب الاستراتيجية

الإعلام التعاوني الزراعي- بقلم: بكيل طاهر:

لا تزال إشكالية تسويق المحاصيل الزراعية تمثل إحدى أهم المعضلات التي تعترض طريق النهوض بالقطاع الزراعي في اليمن، رغم الجهود المبذولة من قبل المزارعين والجهات الفاعلة في هذا المجال، وتعود هذه المشكلة إلى جملة من الأسباب المتشابكة، من أبرزها غياب التخطيط الاستراتيجي للإنتاج، وافتقار السوق المحلية إلى البنية التحتية الملائمة للتسويق والتخزين، إلى جانب التأثيرات السياسية والاقتصادية التي تلقي بظلالها على حركة التصدير والاستيراد.

ومن بين المحاصيل التي تعرّضت مؤخراً لأزمة تسويقية خانقة، يبرز محصول البصل، الذي شهد خلال السنوات الأخيرة تنامياً ملحوظاً في المساحات المزروعة، خصوصاً بعد إدخال أصناف محسّنة تتمتع بميزات تسويقية عالية، وطلب متزايد من الأسواق الخليجية، غير أن هذا الموسم حمل معه تحدياً غير مسبوق، تمثّل في عرقلة تصدير البصل اليمني إلى بعض دول الجوار، لأسباب وصفها خبراء القطاع بأنها “غير منطقية”، ما أدى إلى تدفق كميات كبيرة إلى السوق المحلية، وتسبّب في كساد واسع النطاق وتراجع حاد في الأسعار.

وإلى جانب هذه الأزمة الطارئة، يواجه المزارعون واقعاً معقداً يتمثل في الركود الاقتصادي العام، وتدهور القدرة الشرائية لدى المستهلك المحلي، وهو ما ساهم في تفاقم حالة الكساد التي طالت معظم المحاصيل الزراعية، وليس البصل فحسب.

وفي هذا السياق، يعد غياب أدوات التحكم في الإنتاج، وافتقار المزارعين إلى التأطير المؤسسي، يمثّلان عقبتين رئيسيتين أمام الوصول إلى حلول ناجعة، والحل يبدأ من القاعدة، عبر الجمعيات التعاونية الزراعية التي ينبغي أن تضطلع بدور فعّال في تنظيم المزارعين ضمن مجاميع إنتاجية مدروسة، تنسجم مع معطيات السوق من حيث العرض والطلب، وتستند إلى دراسات واقعية لاحتياجات السوقين المحلي والدولي.

كما أن الجمعيات التعاونية قادرة، إذا ما أُحسن تمكينها، على لعب أدوار محورية في ضبط الإنتاج، وتحسين الجودة، وإدخال مدخلات زراعية حديثة تواكب متطلبات الأسواق المتقدمة، فضلاً عن تطوير منظومة الخدمات التسويقية، بما في ذلك مراكز الفرز والتعبئة، والمخازن والثلاجات ومراكز التجميع.

وفي إطار الجهود الراهنة للحد من الخسائر، اطلقت مؤخراً مبادرات العمل بمجففات عالية الكفاءة لتجفيف البصل وعدد من المحاصيل الأخرى، في محاولة لتحويل الفائض إلى منتجات قابلة للتخزين والتسويق لاحقاً، ضمن مشروع الصناعات التحويلية الزراعية، كما يجري العمل حالياً على إنشاء مخازن ومراكز تجميع وتسويق في عدد من المديريات، إلى جانب ثلاجات تبريد لتخزين الفائض من المحاصيل واستغلاله في فترات الشح.

هذه الجهود تأتي ضمن مقاربة متكاملة لتطوير سلاسل القيمة الزراعية، بالتعاون مع وزارة الزراعة والرّي والثروة السمكية والموارد المائية، وعدد من الشركاء المحليين والدوليين، وبتمويل ورعاية من الجهات المختصة.

أما القطاع الخاص، فإن الاتحاد يرى أن أمامه فرصة واعدة للانخراط في هذا المسار، شريطة توفر بيئة استثمارية مستقرة، ورؤية تنموية رسمية تضع الزراعة في صدارة الأولويات الاقتصادية، وتمنح المستثمرين ثقة كافية لضخ رؤوس الأموال في مشاريع تسويقية وتصنيعية تعود بالنفع على الجميع.

في المحصلة، فإن تجاوز معضلة التسويق الزراعي في اليمن لا يتحقق بالحلول الآنية أو المسكنات المؤقتة، بل يتطلب إصلاحاً بنيوياً يبدأ من الميدان، ويشمل كافة حلقات سلسلة الإنتاج، وينتهي بسياسات سيادية تضع مصلحة المزارع والاقتصاد الوطني فوق كل اعتبار.

رئيس دائرة التسويق بالاتحاد التعاوني الزراعي

معضلة التسويق بين فائض الإنتاج وغياب الاستراتيجية
  • 79 views
  • تم النشر في:

    مقالات