اللحـية.. ثورة مائية ونهضة زراعية غير مسبوقة

  يحيى الربيعي

  تتلاشى كل مصاحبات ما بعد تجاوز عقد الخمسينيات من العمر من الآلام، لتتولد رغبات بديلة عنها.. رغبات يحذوها الأمل في الكينونة شيئا من زخم الحيوية والنشاط الذي يمتاز به ما شاهدناه من حراك نهضوي زراعي وتنموي،

وما يحمله ذلك الحراك من بشارات الخير القادم على امتداد المناطق الجبلية والمديريات التهامية التي زرناها أو مررنا بها خلال الفترة من 18-25 أكتوبر 2023م.

على امتداد نظري الذي أطلقته، في رحلتي التي اخترت أن تكون على ظهر دراجتي النارية، يمينا وشمالا أثناء مروري على جنبات الطرق الرئيسية المارة من مديريات محافظات صنعاء وتحديدا منها الواقعة على خط السير(بني مطر- الحيمتين- مناخة وحراز)- المحويت (بني سعد) وتهامة الخير (باجل- المرواعة- كيلو16- المنصورية، المسعودي، بيت الفقيه، الحسينية، زبيد، الجراحي، جبل رأس، فالعودة من نفس الخط إلى الحديدة، ومنها إلى باجل- السخنة- برع- فالعودة إلى باجل ثم الاتجاه نحو اللحية والزهرة من خط باجل- الكدن- الضحي – الزيدية- القناوص، فالعودة إلى القناوص ومنها طريق المحويت (الخبت- جبل المحويت- المحويت- الرجم- الطويلة- شبام كوكبان) وصولا إلى صنعاء)، لم تقع عيني على مساحة من مدرجات أو وديان أو سهول أو أرض زراعية إلا رأيتها عامرة بزراعة أصناف من محاصيل الحبوب من الذرة الرفيعة بأنواعها البيضاء والحمراء والزعر وغيرها (حبا يحصد للغذاء أو علفا يقدم للماشية) أو زاخرة بمحصول الذرة الشامية أو السمسم أو القطن أو أصناف من الفواكه والخضروات، أما صحراء تهامة فتبدو كتلا كثيفة من محصول الدخن والقطن بكسر القاف (شبيه الدجرة).

في هذه الرحلة التوثيقية الاستطلاعية، والتي نبدأ الحديث عنها من نقطة النهاية؛ من اللحية، بالوقوف على حقيقة مفادها أن النهضة الزراعية لابد أن تبنى على أسس ومنطلقات هامة ومحورية.. بناء وشق وصيانة القنوات الرئيسية والفرعية والعقوم والقنوات الفرعية الخاصة بتوزيع مياه الوديان، وبناء وصيانة السدود والحواجز والعقوم، وعمل قواعد توزيع ري مناسبة ومنصفة بين المزارع الواقعة على ضفاف المناطق والأراضي التي تغطيها تلك القنوات والعقوم والسدود والحواجز في مقدمة تلك الأسس والمنطلقات.

هنا، وتحديداً في مديرية اللحية الواقعة على مجاري سيول واديي عيان ومور رأينا هذه الحقيقة تتجسد واقعا ملموسا فيما لاحظناه من انطلاقة كبيرة نحو ثورة مائية تتزامن بنهضة زراعية في مختلف المحاصيل.

وبالمشاهدة على أرض الواقع، لمسنا تحركا مجتمعيا كبيرا على مسار إطلاق مبادرات مجتمعية قوية تصب الجهود هنا نحو إعادة شق وصيانة قنوات وعقوم ري اهملت منذ عشرات السنين.. تحرك يباشره المزارعون وتديره جمعية اللحية التعاونية الزراعية لمنتجي الحبوب وفرسان التنمية، وترعاه السلطة المحلية بالمديرية وتشرف عليه السلطات المحلية بالمحافظة، وتباركه السلطات العليا في الدولة ممثلة باللجنة الزراعية والسمكية العليا تحركا أعطانا شعورا بأن ثمة مبشرات كبيرة قادمة من تهامة الخير تقول بأن اليمن على اعتاب بوابة ولوج نحو مرحلة الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.

مبادرات جيدة

نائب المشرف العام، علي أحمد علوان، كان في مقدمة المرحبين بالتوثيق والتغطية الصحفية لهذا الحراك التنموي، مؤكدا أن قناة مستورة التي يسقي منها أكثر من 6 آلاف معاد في المنطقة ويصل خيرها إلى عامة المجتمع كانت قد توقفت عملية الصيانة فيها منذ أكثر من 25 عاما، والآن بجهود أبناء المديرية في السلطة المحلية والمجتمع تعمل المبادرات المجتمعية مع السلطة المحلية”، متابعا “الآن نقف على نهاية هذه القناة بعد أن تم صيانتها، وصار الماء يصل بسهولة إلى هنا رغم الظروف الصعبة والتحديات التي فرضها العدوان والحصار إلا أن المبادرات الجيدة من الحكومة والمواطنين حولت تلك الظروف والتحديات إلى فرص نهضوية.

وأضاف “هذا بتأييد من الله ومن ثم موجهات قائد الثورة وتوجيهات المجلس السياسي الأعلى لما حث الناس على الزراعة وصولا إلى الاكتفاء الذاتي، والأمة نهضت إلى الاستجابة للموجهات واستقبلت هذا المشروع الجيد، وإن شاء الله في الأيام القادمة ستكون هنا نهضة زراعية على ضفاف هذه القناة، وغيرها من المبادرات المثيلة والجاري العمل فيها على صيانة العقوم والقنوات الفرعية في عموم مناطق المديرية”.

قناة مستورة

ويكمل الحديث عنه رئيس جمعية اللحية التعاونية الزراعية لمنتجي الحبوب، ابراهيم عبده جبلي بالقول: قناة مستورة تعرضت للإهمال منذ 25 عاما، ما تسبب في توقف الزراعة في مساحة 6 آلاف معاد زراعي يمتلكها 400 مزارع”.

مشيراً إلى أن جمعية اللحية التعاونية الزراعية وفرسان التنمية قاموا، وتحت رعاية السلطة المحلية وتعاون الوحدة التنفيذية لتمويل المشاريع والمبادرات الزراعية بالمحافظة والتي ساهمت بـ 5 آلاف لتر ديزل، قامت بتحفيز وتحشيد المزارعين لإطلاق مبادرة إعادة شق وتأهيل القناة.

وقال: “بدأنا في تنفيذ مبادرة إعادة شق وتأهيل القناة التي يبلغ طولها 13كم منذ قرابة 3 أشهر بإمكانيات بسيطة جدا، لكن بعون الله ثم جدية المبادرين وعزيمة المجتمع القوية صرنا نقترب من نهاية العمل”، لافتا إلى وجود بعض المعوقات من أهمها قواعد توزيع السقي بين المستفيدين، مؤكدا أن التفاوض جار حولها، والأمل يبشر بوضع حلول منصفة للجميع”.

فيما أوضح فارسا التنمية (عمار محمد أحمد باري سماح ولقمان علي أحمد إبراهيم)، أن صيانة قناة مستورة مبادرة قام بها مجتمع المزارعين بالتعاون مع الجمعية والوحدة التنفيذية واشراف السلطة المحلية واستجابة من الجميع لموجهات قائد الثورة وتوجيهات القيادة السياسية.

مشيرين إلى أن دور فرسان التنمية يتمثل في التحشيد والتحفيز ونعمل تحت إدارة الجمعية واشراف السلطات المحلية، مؤكدين أن المبادرة اعتمدت على الموارد المتاحة والجهود المجتمعية منذ الصفر. لافتين إلى أول خطوة قاموا بتنفيذها رفع مذكرة إلى مدير المديرية الذي بدوره بادر إلى التفاعل بتوفير المعدات منوهين بأن كلفة المبادرة تقدر بحوالي 4,758,000 ريال.

واستبشر (المزارع عبدالله ماس) بشرى خير بعد توقف للقناة دائم أكثر 25 عاماً، قائلا “القناة في ستساهم زيادة انتاج محاصيل الحبوب وسيستفيد منها أكثر من ثمانية آلاف نسمة من المزارعين والعاملين في المزارع الواقعة على ضفافها”.

رسوم بلا صيانة

كنا حينها نقف عند نقطة بداية القناة والتي تتفرع من قناة رئيسية لوادي مور.. سألناه “ألا تلاحظ أن القناة الرئيسية المتفرعة منها القناة أصبحت مغلقة تماما لماذا لم يتم البدء في تصفيتها”؟

أجاب “صيانة القنوات الرئيسية صارت من مسؤولية هيئة تطوير تهامة، خاصة بعد أن تم فرض رسوم قدرها 3 آلاف ريال على كل بابور يخرج محملا بمنتج موز المزارعين المستفيدين من الوادي، والتي تتراوح عددها ما بين 40-50 بابوراً يوميا”.

ولفت “قبلها، كنا في غرفة طوارئ وادي مور وجمعيتي الزهرة واللحية نقوم بحشد المزارعين المستفيدين إلى مبادرة سنوية، وتتم عملية الصيانة بإمكانيات وجهود مجتمعية خالصة، تساندها معدات الهيئة أو السلطة المحلية أو المنطقة الخامسة لكن، ما ندري ما هي الخلفيات والأسباب التي أدت إلى تعطيل نشاط هذه الغرفة وكذلك الجمعيات، وتفعيل مبدأ الرسوم مقابل الصيانة؟ وتم فرض الرسوم وجمعها ولأكثر من 3 أعوام لم يأت أحد لصيانة هذه القنوات ولا ندري أين تذهب تلك العائدات؟”

وأكد “ليس لدينا في الجمعيات أي جرأة لتحشيد المواطنين إلى مبادرة مجتمعية، لأن أول مواطن سيرد علينا بالفم المليان: “نحن اتفقنا مع هيئة تطوير تهامة على دفع رسوم مقابل صيانة القنوات الرئيسية على أن نقوم كمستفيدين من مياه الوادي بصيانة القنوات الفرعية، كلا فيما يقع قبال مزرعته”، مضيفا “لا توجد لدينا أي ميزانية لتغطية أي نفقات تشغيلية للصيانة”، مؤكدًا أن الموضوع مطروح على طاولة هيئة التطوير واللجنة الزراعية ووزارة الزراعة والري، وفي انتظار القرار، والأمل يحذونا إلى استجابة محفوفة بلفتة كريمة وقريبة”.

عقم دخنة

في السياق، قال رئيس لجنة خدمات المديرية عبدالله عزت إبراهيم عوام “قمنا بتنفيذ مبادرة في دير دخنة بمديرية اللحية، المبادرة تشمل مبادرات عقوم المحمودي والحملية ومنصر ودخنة الذي نقف عليه الآن، بدأنا بتنفيذ المبادرة بجهود ذاتية من المواطنين استجابة لتوجيهات حثيثة من المديرية وتعاون كبير من الهيئة العامة لتطوير تهامة والتي ساندت بتوفير المعدات”.

وتابع “تم تنفيذ المبادرة بتكلفة وصلت تقريبا إلى مليون و400 ألف ريال تم دفع 750 ألف من قبل الأهلي مقابل قيمة ديزل ونفقات تشغيلية، وتم إنجاز المشروع بنجاح، والحمد لله.

ونوه بأن المستفيدين من العقم هم قرابة 120 مزارعاً ويفيض ليغطي قرابة 50 مزارعاً في القرى المجاورة من مديرية القناص”.

ولفت “بالنسبة لبقية المبادرات، إن شاء الله، نعاود العمل فيها عقب الانتهاء من عملية الإنقاذ الطارئة التي تقوم بها المعدات في مديرية حيس نتيجة لعوامل الأمطار الغزيرة التي هطلت ونتج عنها سيول اجتاحت المديرية وأجزاء من مديرية الجراحي”.

عقم اللاوي

في جهة أخرى من المديرية ذات المساحات المترامية، وفي ذات المسار، يستقبلنا المدير التنفيذي لجمعية اللحية الزراعية التعاونية الزراعية لمنتجي الحبوب، علي عبد الله، والذي كان يقف على سطح عقم اللاوي، الذي بدوره أوضح أن العقم يمتد من ذي القرنين إلى الفتيني بطول 7 كم، ويغذي ما يقارب 3 آلاف معاد، ويستفيد منه أكثر من 50 ألف نسمة.

مشيرا إلى أن العقم يصان حاليا بمبادرة مجتمعية ذاتية يقوم بها المزارعون بمساندة السلطة المحلية والجمعية الزراعية وفرسان التنمية، وكذلك هيئة تطوير تهامة التي تساند المبادرة بالمعدات.

وتابع “استغرق العمل فيه أكثر من 300 ساعة في إعادة تأهيل الزبير وغيره من الأعمال، ويعد أطول عقم في هذه المنطقة، فقد استمر العمل في صيانته قرابة شهرين”.

ولفت “ما زال العمل قيد تحشيد ما تبقي من تكلفة قيمة الديزل ونفقات التشغيل والتي بلغت قرابة 6 ملايين ريال، نسعى إلى زيادة التحشيد من المجتمع والسلطة المحلية في المديرية والمحافظة والمحسنين لاستكمال 30% من أعمال الصيانة”.

عقم نجران

العاقل عبدالله علي حضرمي رئيس اللجنة المجتمعية لمبادرة عقم نجران، والمرشد الزراعي للمديرية (لم يعرفنا باسمه) اكدا أن أعمال صيانة عقم نجران توقفت لأكثر من 35 عاما، وأن ما تم إنجازه في مبادرة إعادة تأهيل العقم جرى على ثلاث مراحل: الأولى: وكانت بمبادرة من مدير عام المديرية السابق محمد هزاع، والذي قام بدفع مليون ريال، مما شجع المجتمع على المساهمة بمليون آخر، وتم إنجاز المرحلة الأولى من العقم في جهة الشرق.

وتابعا “في المرحلة الثانية التي تولى زمام المبادرة فيها مدير المديرية الجديد أبو العز، والذي بتوفير 5 آلاف لتر ديزل مقدمة من الوحدة التنفيذية لتمويل المشاريع والمبادرات الزراعية بالمحافظة، وتبعه المجتمع بحشد مليوني ريال، وتم إنجاز 300 ساعة في الجهة الجنوبية من العقم. وبدأنا في الجهة الشمالية وتوقفنا بانتظار الحشد لقيمة الديزل ونفقات التشغيل من المجتمع والسلطة المحلية والمحسنين من أبناء المنطقة والمحافظة”.

وأضافا “الحشد قائم والمواطنون يبدون استجابة قوية لما لمسوه من جدية من قبل القائمين على السلطة والمحلية والمكتب الاشرافي والمجلس المحلي والشخصيات من المشايخ والأعيان والعقال في المديرية والمحافظة وهيئة تطوير تهامة والجمعية وفرسان التنمية.

وأشارا إلى ان العقم يمتد لأكثر من 8 كم، ويغذي أكثر من 12 ألف معاد زراعي، منوهين بأن العمل يجري الآن صيانة جهة واحدة من العقم، وهذا يعني أن المراحل مؤهلة للوصول إلى أكثر من 6 مراحل أو سبع مراحل، خاصة وأن ما تبقي من جانب العقم الأول يحتاج إلى حوالي 300 ساعة، محذرين بأن عدم استكمال العقم قبل حلول موسم الأمطار قد يؤدي إلى تغذية راجعة من الضرر غير المتوقع.

في عهدهم

أما الحاج علي جابر، يعطينا صورة عن كيف كان الأولون يتكافلون في عمل صيانة للعقم فهمنا منه: “في عهدنا لم تكن هناك من إمكانيات متوفرة سوى الضمد، وهو الحراثة والتسوية وصيانة القنوات والعقوم بالثيران والحمير، وكان الأهلي من كل المناطق المحيطة بالقنوات أو العقوم سواء كانوا مستفيدين من مرور المياه إلى مزارعهم أو محتمل تضررهم من الفيضانات على قراهم ومنازلهم يقومون بالتجمع سنويا في حوالي 500 ضمد، ويعملون على زبر العقم بماسحات تجرها الثيران والحمير، ويقومون بعمل العقوم من الجهتين وعمل ما يشبه السائلة فيما بينهما كي لا يطيح السيل كذا أو كذا، فيهلك الحرث أو يؤدي إلى خراب في الممتلكات من مزارع ومنازل. وكانت أعمال الصيانة تتم كل عام وقبل 6 أشهر من مجيء موسم الأمطار، بحيث ما تأتي الأمطار إلا وكل شيء قد أصبح جاهزا لاستقبالها والاستفادة منها.

(منقول)

اللحـية.. ثورة مائية ونهضة زراعية غير مسبوقة
  • 1٬484 views
  • تم النشر في:

    مقالات